بدأ الأمر كله في صيف 1985 عن دون قصد من ماري الين شيتس Mary Ellen Sheets حين قرر ابناها – لحاجتهما للمال – استغلال الاجازة الدراسية الصيفية في تأسيس شركة صغيرة للنقل والشحن باستخدام سيارة شاحنة قديمة مملوكة للعائلة .
اقترحت الأم على الأبناء تسمية الشركة رجلان وشاحنة أو Two Men and a Truck ورسمت لهما شعار الشركة على ورقة محارم / كلينكس، والذي لا يزال مستخدما لليوم رغم بساطته، وهم عملا في مجال نقل القمامة والحشائش بداية، ومن بعدها الأثاث والمفروشات. ما أن انتهت الاجازة الصيفية حتى سافر الابنان من أجل دراستهما الجامعية ، ثم حدث أن عادت الأم من عملها ذات يوم لتجد 12 رسالة مسجلة في ماكينة الرد الآلي على الهاتف المنزلي من عملاء يطلبون خدمات الشركة .
كانت الأم ماري تعمل في وظيفة حكومية كمحلل نظم في ولاية ميتشجن براتب فخم ومزايا إضافية أفخم .
لم تكن الأم بحاجة لجني المزيد من المال، لكنها كانت تحب خدمة الغير، ولذا قررت أن تستمر في هذه المغامرة التجارية على سبيل الهواية، ولذا حافظت على الاسم التجاري، ولأن الشاحنة التي كان يستخدمها ولديها كانت في حالة سيئة للغاية، قررت شراء شاحنة مستعمل أخرى في حالة يمكن استعمالها، ولهذا الغرض خصصت 350 دولار فقط. هذا المبلغ بالكاد غطى شراء شاحنى ذات طول 14 قدم، وبمزيد من المال وظفت ماري رجلين آخرين لكي يكون اسم الشركة صادقا. غني عن البيان أن عمل ماري النهاري، وتبرعها في مساعدة المستشفيات والمرضى، كل هذا ساعدها كثيرا على إدارة العاملين والعملاء، وعلى تحليل الأرقام والنفقات .
ثم حضرت ماري محاضرة تحدثت عن أهمية التعهيد (فرانشيز) فبدأت ماري بأن عهدت إلى أختها في أطلنطا بأن تبدأ أول فرع فرانشيز في بلدها، وكان ذلك في العام التالي لبدء نشاط الشركة، وأما في نهاية العام الأول فكان صافي الربح الف دولار، ولما لم تكن ماري على علم بالمحاسبة والضرائب، تبرعت بالعائد كله لعشر جهات خيرية، حصلت كل منها على شيك بمئة دولار! حتى اليوم، وشركة الرجلان وشاحنة تتبرع لأوجه الخير الكثيرة. هذا التبرع الخيري جعل شعار الشركة على حق بدوره: الناقلون الذين يهتمون أو Movers who care. في عام 1989 استقالت ماري من وظيفتها المريحة لتتفرغ لإدارة الشركة التي تكبر، واشترت شاحنة جديدة تماما ووظفت المزيد من العاملين .
أكثر ما تميزت به ماري هو عشقها الشديد لتقديم خدمات تفيد العملاء بدون استغلال حاجات الناس لتحقيق ربح سريع، وتقديم مساعدات للمجتمع من حولها، وهي اشتهرت بمبدأ الجدة، أو معاملة الجميع كما كانوا ليتوقعوا جدتهم لتعاملهم Grandma Rule. هذا الأمر جعل كثيرون يتحدثون عنها وعن شركتها، الأمر الذي جلب لها المزيد من الأعمال والنقليات. مع زيادة حجم الشركة، استعانت ماري بابنتها وابنيها، لكن بعد أن عهدت لكل منهم بإدارة فرع من فروع الشركة في موقع جديد، لإثبات الكفاءة وفهم طبيعة العمل .
عانت الشركة خلال فترة الكساد، لسبب مختلف تماما، فمع الأزمة المالية وخسران الكثير من الأمريكيين لوظائفهم مما اضطرهم للانتقال إلى حيث السكن الأرخص، الأمر الذي زاد الطلب على خدمات الشركة، وطمعا في زيادة المبيعات، بدأ فريق العمل في الشركة بشكل تلقائي في السعي الحثيث نحو زيادة البيع، بشكل جعلهم لا يقدمون خدمة جيدة ولا يهتمون بشكاوى العملاء، وفي نهاية الأمر بدأ سيل الطلبات يتراجع وبدأت سمعة الشركة تسوء، الأمر الذي تطلب وقفة سريعة لمعرفة مواطن الخطأ والخطر، ومعالجة ذلك، في خطة طويلة تعتمد على توحيد النظام المحاسبي والاعتماد على الحوسبة السحابية بشكل تام .
بنهاية أغسطس 2012 كان لدى الشركة أكثر من 4500 موظفا موزعين على 220 فرعا في 32 ولاية أمريكية ، و 20 موقعا في كندا، وموقع وحيد في لندن وآخر في دبلن (ايرلندا)، بأسطول شاحنات يربو عن 1300 شاحنة نفذت أكثر من 353 ألف عملية نقل، بمبيعات قدرها 220 مليون دولار، لتكون أكبر شركة نقليات بنظام الفرانشيز في الولايات المتحدة، ويتولى الابن الأكبر منصب المدير التنفيذي للشركة خلفا لأمه منذ عام 2009، والتي لا زالت عضو في مجلس الإدارة، وتتولى مع ابنتها إرسال بطاقات تهنئة بخط اليد للعاملين في الشركة في ذكرى ميلادهم .
الشاهد من القصة:
- كانت ماري تعيش بدون زوجها، ليست بحاجة لإطلاق شركة ناشئة، ولم تكن تملك أي خبرة في كتابة خطط تسويق أو تصميم شعارات، لا شهادة ام بي إيه ولا شهادة دكتوارة من جامعة، بل اعتمدت على حدسها الداخلي .
- رغم ذلك ، أسست ماري في 1998 جامعتها الخاصة لتعليم الراغبين في الحصول على حق الفرانشيز على كيفية إدارة الأعمال وأوجه التعامل الصحيح مع العملاء، ولتعليم العاملين على طرق النقل الصحيح لمحتويات المنازل.
- سر نجاح ماري كان في تركيزها على العميل، على جعله يشعر أنه عميل خاص، حصل على صفقة خاصة، وخدمة جيدة، وتعامل معه الموظفون على إنه انسان يستحق معاملة من الطراز الأول.
- لم تمانع ماري في منح حق الفرانشيز لعاملين معها في شركتها، وأعطتهم الفرصة لإثبات الذات وللنجاح.
- كانت تكلفة الحصول على حق الفرانشيز 32 ألف دولار، زائد 6% من العوائد الاجمالية السنوية، زائد 1% من العوائد في حال الدعاية والإعلان لهذا الفرع.
- لأنها امرأة تعمل في مجال يسيطر عليه الرجال، لاقت ماري مضايقات كثيرة من المنافسين، لكنها تعلمت من أخطائها وحرصت على ألا تكررها، وأصبحت أكثر صلابة.
- في حين كان العرف السائد محاسبة العملاء على أساس وزن المواد المنقولة، حاسبت ماري على أساس ساعة العمل الواحدة المقضية في النقل، وتعهدت بالتعويض عن أي تلفيات وكثيرا ما فعلت.
- اعتمدت ماري على مراسلة العملاء ببطاقات استطلاع رأي، لتعرف نقاط الضعف والقوة وما يطلبه العملاء، الأمر الذي ساعدها كثيرا للحفاظ على نسبة عدم رضا عملاء متدنية.
- للتسويق لنشاطها، طبعت ماري منشورات إعلانية ووزعتها على عتبات الشقق والمنازل، ورسمتها على جوانب شاحناتها.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق